أمريكا أولاً- عهد ترمب الذهبي بين السلام والتحديات العالمية.

المؤلف: أحمد الجميعة10.16.2025
أمريكا أولاً- عهد ترمب الذهبي بين السلام والتحديات العالمية.

في خطاب تنصيبه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، استكمل ترمب وعوده الانتخابية، مؤكداً على شعار "أمريكا أولاً". وشن هجوماً لاذعاً على الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة الرئيس بايدن، الذي تحمل نصيباً وافراً من الانتقادات خلال الخطاب. ومع ذلك، عكس الحضور الجمهوري والديمقراطي في مبنى الكابيتول صورةً للديمقراطية الأمريكية، على الرغم من الخلافات السياسية العميقة بين الحزبين. الأهم من ذلك، أصبح الرئيس ترمب رئيساً لجميع الأمريكيين، متحدثاً إليهم عن "العصر الذهبي" المأمول لأمريكا. الأجندة الداخلية التي كشف عنها الرئيس ترمب في خطابه تمثل إشارة البدء لهذا العصر الجديد. وتضمنت تلك الأجندة عدة محاور رئيسية، مثل مكافحة الجريمة بكل أشكالها، والتصدي للهجرة غير الشرعية، ومعالجة تحديات البطالة والتضخم المتزايد. كما أكد على أهمية فرض رسوم جمركية على الواردات الأجنبية لحماية الصناعة الوطنية، وتعهد بتحقيق العدالة وتطهيرها من أي تسييس. بالإضافة إلى ذلك، أعلن عن استئناف التنقيب عن النفط والغاز لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الطاقة، وتغيير مسمى خليج المكسيك إلى خليج أمريكا. ولم يغفل الرئيس ترمب عن التأكيد على الحفاظ على القيم الأمريكية الأصيلة، ومنع محاولات العبث بالهوية العرقية والجنسية، والإبقاء على التصنيف البيولوجي للجنس ذكراً أو أنثى، وتصنيف عصابات المخدرات كجماعات إرهابية تستهدف تدمير المجتمع. هذه الأجندة الطموحة وغيرها من الإصلاحات الجذرية ستعيد تشكيل وجه أمريكا خلال "العصر الذهبي" الذي وعد به الرئيس ترمب. ولكن التغيير الأهم يكمن في التطور التكنولوجي الهائل الذي ستشهده الولايات المتحدة خلال هذه المرحلة. وقد تجلى ذلك في تأكيده على الوصول إلى المريخ، وتطوير القدرات العسكرية للجيش الأمريكي، والانفتاح على العالم، والحد من الرقابة المفروضة على الإنترنت. وكل هذه المؤشرات تدل على أن الاقتصاد الرقمي سيشهد تحولات جذرية في المستقبل القريب. من وجهة نظرنا، فإن الفترة الرئاسية الثانية للرئيس ترمب لن تكون مماثلة لفترته الأولى على الصعيد الخارجي. فالظروف السياسية والاقتصادية العالمية قد تغيرت بشكل كبير، ولم تعد تحتمل المزيد من التناقضات أو المساومة على حساب الحلفاء التاريخيين لأمريكا، أو حتى الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة مع القوى التي تعتبرها واشنطن جزءاً من "محور الشر". ولذلك، قال ترمب بوضوح: "إن المستحيل هو أفضل ما سنقوم به"، وهذا يشير إلى أن التحديات ستكون جسيمة في سياسته الخارجية، التي لم يتناولها بالتفصيل في خطابه. واكتفى بعبارة موجزة تحمل عنواناً لهذه التحديات: "إرثي أن أكون صانعاً للسلام". إن السلام الذي يطمح إليه ترمب سيفرض قيوداً على التحركات العسكرية لواشنطن، وسيكون الحل البديل هو المصالحة مع القوى التي يرى أن العالم بحاجة إلى أمريكا للتوصل إلى تسوية للنزاعات الإقليمية والدولية. وبالتالي، ستبقى الأراضي الأمريكية مفتوحة للجميع، وسيتم اللجوء إلى القوة العسكرية كحل أخير في حال الضرورة القصوى. يشير الواقع إلى وجود انقسامات دولية عميقة بشأن السياسات الأمريكية في عهد الرئيس ترمب. وقد عبرت وزيرة الخارجية الألمانية عن ذلك صراحةً بقولها: "نحن لسنا متفقين في قضايا المناخ والتجارة والنظام الدولي". كما تدعو فرنسا إلى مواجهة أجندة ترمب في أوروبا. أما في منطقة الشرق الأوسط، فالوضع لا يزال معقداً وحساساً وصعباً أكثر من أي وقت مضى. وتعتبر الحرب الروسية-الأوكرانية اختباراً حقيقياً للسلام الذي يطمح إليه ترمب. وكذلك الضغط على إسرائيل للاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. الاقتصاد الأمريكي القوي سيكون عاملاً مساعداً لتحقيق السلام العالمي، ولكنه لا يكفي وحده دون وجود حلفاء أقوياء قادرين على مساعدة الإدارة الأمريكية على تحقيق السلام العادل والشامل. وهذا ما سيجعل ترمب أكثر دبلوماسية مع حلفائه في ولايته الثانية، من أجل تحقيق هدفه الأسمى بأن يترك إرثاً عظيماً كصانع للسلام.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة